فضل وفوائد علم العقيدة والإيمان والتوحيد - مسلمون

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...


فضل وفوائد علم العقيدة والإيمان والتوحيد - مسلمون



فَضلُ وفوائد عِلمِ العَقيدةِ والإيمانِ والتَّوحيدِ

١- تعلُّقُ عِلمِ العَقيدةِ والإيمانِ والتَّوحيدِ بأعظَمِ شَيءٍ، وهو اللهُ سُبحانَه وتعالى.

عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ: أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ قالَ: ((إيمانٌ باللهِ ورَسولِه)).

٢- أنَّ جميعَ الرُّسُلِ دَعَوا أقوامَهم إلى التَّوحيدِ أوَّلًا

كلُّ رُسُلِ اللهِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ قد دعَوا النَّاسَ إلى توحيدِ اللهِ وإخلاصِ عبادتِه؛ من أولِّهم نوحٍ عليه السَّلامِ، إلى آخِرِهم محمَّدٍ ﷺ.

قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦].

وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥].

٣- أنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بالتَّوحيدِ جميعَ العِبادِ

قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: ١٩].

وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: ٥].

٤- أنَّ التَّوحيدَ حَقُّ اللهِ على العَبيدِ

عن مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((حقُّ اللهِ على عِبادِه أن يعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا)).

٥- أنَّ التَّوحيدَ ملَّةُ أبينا إبراهيمَ عليه السَّلامُ التي أمَرَنا اللهُ باتِّباعِها.

قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: ١٢٣].

وهي أيضًا دعوتُه عليه السَّلامُ؛ قال اللهُ تعالى حاكيًا دعاءَهُ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: ٣٥].

٦- أنَّ التَّوحيدَ شَرطٌ لقَبولِ العَمَلِ

جميعُ الأعمالِ والأقوالِ الظَّاهِرةِ والباطِنةِ متوقِّفةٌ في قَبولِها وفي كَمالِها، وفي ترتُّبِ الثَّوابِ عليها: على التَّوحيدِ، فكلَّما قَوِيَ التَّوحيدُ والإخلاصُ للهِ كمَلَت هذه الأمورُ وتمَّت.

قال اللهُ تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء: ٩٤].

وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء: ١٩].

وإذا جاء العبدُ بغير إيمانٍ فإنَّه يخسَرُ جميعَ عَمَلِه الصَّالحِ.

قال اللهُ تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: ٦٥].

٧- تحقيقُ السَّعادةِ لجَميعِ البَشَريَّةِ في الدُّنيا

لا راحةَ ولا طُمأنينةَ ولا سعادةَ إلَّا بأن يَعرِفَ العَبدُ ربَّه بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه من جهةٍ صحيحةٍ، صادِقةٍ ناصِحةٍ، وهي جِهةُ الوَحيِ.

قال ابنُ تَيميَّةَ: (حاجةُ العَبدِ إلى الرِّسالةِ أعظَمُ بكثيرٍ من حاجةِ المريضِ إلى الطِّبِّ؛ فإنَّ آخِرَ ما يُقدَّرُ بعَدَمِ الطَّبيبِ مَوتُ الأبدانِ، وأمَّا إذا لم يحصُلْ للعَبدِ نورُ الرِّسالةِ وحياتِها، مات قلبُه موتًا لا ُترجى الحياةُ معه أبدًا، أو شَقِيَ شقاوةً لا سعادةَ معها أبدًا).

٨- أنَّه يُسَهِّلُ على العَبدِ فِعلَ الخَيراتِ وتَرْكَ المُنكَراتِ ويُسَلِّيه عن المُصِيباتِ

المُخلِصُ للهِ في إيمانِه وتَوحيدِه تخِفُّ عليه الطَّاعاتُ؛ لِما يرجو من ثوابِ ربِّه ورِضوانِه، ويَهونُ عليه تركُ ما تهواه النَّفسُ من المعاصي؛ لِما يَخشى من سَخَطِه وعِقابِه، وبحسَبِ تَكميلِ العَبدِ للتَّوحيدِ والإيمانِ يتلقَّى المكارِهَ والآلامَ بقَلبٍ مُنشَرحٍ، ونَفسٍ مُطمَئِنَّةٍ، وتسليمٍ ورضًا بأقدارِ اللهِ المُؤلِمةِ.

٩- أنَّ التَّوحيدَ يحرِّرُ الإنسانَ من عُبوديَّةِ المَخلوقينَ والتعلُّقِ بهم وخَوفِهم ورَجائِهم والعَمَلِ لأجْلِهم

بالتَّوحيدِ والإيمانِ الصَّحيحِ يكونُ العبدُ متألِّهًا متعبِّدًا لله، لا يرجو سواه، ولا يخشى إلَّا إيَّاه، ولا يُنيبُ إلَّا إليه، وبذلك يتمُّ فلاحُه، ويتحقَّقُ نجاحُه.

١٠- أنَّ اللهَ تكفَّلَ لأهلِ التَّوحيدِ والإيمانِ بالفَتحِ والنَّصرِ في الدُّنيا

بالتَّوحيدِ يَحصُلُ العِزُّ والشَّرَفُ للمؤمنين، وبه تحصُلُ الهِدايةُ وتَيسيرُ الأُمورِ، ويتحقَّقُ صَلاحُ الأحوالِ، والتَّسديدُ في الأقوالِ والأفعالِ، وبه يَدفَعُ اللهُ عنهم شرورَ الدُّنيا والآخرةِ، ويمُنُّ عليهم بالحياةِ الطَّيِّبةِ.

١١- تحقيقُ الجَماعةِ والاجتِماعِ

التَّوحيدُ هو الطَّريقةُ المُثْلى لجَمعِ شَملِ المُسلِمينَ ووَحدةِ صَفِّهم، وإصلاحِ ما فسَدَ مِن شُؤونِ دينِهم ودُنياهم، والتَّاريخُ شاهِدٌ على ذلك، فالدُّوَلُ التي قامت على السُّنَّةِ هي التي جمعت شَمْلَ المسلمينَ، وقام بها الجِهادُ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكَرِ، وعزَّ بها الإسلامُ قديمًا وحديثًا.

١٢- التَّوحيدُ يُثمِرُ الأمنَ التامَّ في الدُّنيا والآخِرةِ

قال الله عزَّ وجلَّ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: ٨٢].

١٣- مضاعفةُ الحَسَناتِ

إذا تحقَّق الإيمانُ في قَلبِ العبدِ تحقُّقًا كاملًا، فإنَّ القليلَ مِن عَمَلِه يصيرُ كثيرًا، وتتضاعَفُ أعمالُه وأقوالُه بغير حصرٍ ولا حسابٍ، وترجَحُ كَلِمةُ الإخلاصِ في مِيزانِه.

قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: ١٧٣].

وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ ﷺ: ((إذا أحسنَ أحَدُكم إسلامَه فكلُّ حَسَنةٍ يعملُها تُكتبُ له بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ، وكلُّ سيئةٍ يَعمَلُها تُكتبُ له بمِثْلِها)).

قال ابنُ رجب: (مضاعفةُ الحَسَناتِ زيادةً على العَشرِ تكونُ بحسَبِ حُسنِ الإسلامِ، كما جاء ذلك مصرَّحًا به في حديثِ أبي هُرَيرةَ وغَيرِه، وتكونُ بحسَبِ كمالِ الإخلاصِ، وبحسَبِ فَضلِ ذلك العَمَلِ في نَفْسِه، وبحسَبِ الحاجةِ إليه).

وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عن النبيِّ ﷺ فيما يروي عن رَبِّه عزَّ وجلَّ قال: ((إنَّ الله كَتَب الحسَناتِ والسَّيِّئاتِ، ثمَّ بيَّن ذلك؛ فمن هَمَّ بحَسَنةٍ فلم يَعمَلْها كتَبَها اللهُ له عِندَه حَسَنةً كامِلةً، فإنْ هو هَمَّ بها فعمِلَها كَتَبها اللهُ له عنده عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ)).

قال ابنُ العربي: (ذلك من فَضلِ اللهِ على حسَبِ ما يَعلَمُ مِنَ الصِّدقِ في النيَّاتِ، وخُلوصِ الطَّوِيَّاتِ، والرَّغبةِ في الخيراتِ، والمواظَبةِ على الصَّالحاتِ).

وقال السَّعديُّ: (ومن أسبابِ المضاعَفةِ، وهو أصلٌ وأساسٌ لِما تقدَّمَ: صِحَّةُ العَقيدة، وقوَّةُ الإيمانِ باللهِ وصِفاتِه، وقوَّةُ إرادةِ العَبدِ، ورَغبتِه في الخَيرِ؛ فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ المحضةِ، وأهلَ العِلمِ الكامِلِ المفصَّلِ بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه، وقوَّةِ لِقاءِ اللهِ: تُضَاعَفُ أعمالُهم مضاعفةً كبيرةً لا يحصُلُ مِثلُها ولا قريبٌ منها لمن لم يشارِكوهم في هذا الإيمانِ والعَقيدةِ؛ ولهذا كان السَّلَفُ يقولون: أهلُ السُّنَّةِ إن قعَدَت بهم أعمالُهم قامت بهم عقائدُهم، وأهلُ البِدَع إن كثُرَت أعمالُهم قَعَدت بهم عقائِدُهم).

١٤- التَّوحيدُ يغفرُ اللهُ به الذُّنوبَ ويُكَفِّرُ به السَّيِّئاتِ

عن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ:... ومَن لَقِيَني بقُرابِ الأرض خطيئةً لا يُشرِكُ بي شَيئًا، لَقِيتُه بمِثْلِها مَغفِرةً)).

١٥- التَّوحيدُ يُدخِلُ اللهُ به الجَنَّةَ

عن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ((من شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورَسولُه، وأنَّ عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه، وكَلِمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، وأن الجنَّةَ حقٌّ، وأنَّ النَّارَ حقٌّ- أدخَلَه اللهُ الجنَّةَ على ما كان مِنَ العمَلِ)).

وعن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: ((من مات لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دَخَل الجنَّةَ)).

١٦- التَّوحيدُ يمنَعُ مِن دُخولِ النَّارِ

عن عتبانَ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال: ((... فإنَّ اللهَ حرَّم على النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ)).

وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((إذا دَخَلَ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، يقولُ اللهُ: مَن كانَ في قَلبِه مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمانٍ فأخْرِجُوه)).

١٧- نَيلُ شفاعةِ نبينا محمَّدٍ ﷺ

عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((أسعدُ النَّاسِ بشَفاعتي يومَ القيامةِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، خالِصًا مِن قَلْبِه أو نَفْسِه)).



بداية ظهور عقيدة التوحيد

- عَقيدةُ التَّوحيدِ هي دينُ الفِطرةِ التي فَطَر اللهُ النَّاسَ عليها

قال اللهُ تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: ٣٠].

- وآدمُ عليه السَّلامُ قد فطره اللهُ على العَقيدةِ السَّليمةِ، فكان مُوحِّدًا لله تعالى مُعتَقِدًا لله ما يجِبُ له من التَّعظيمِ والطَّاعةِ.

قال اللهُ تعالى حاكِيًا دُعاءَ آدَمَ وحَوَّاءَ عليهما السَّلامُ: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: ٢٣]، فلم يَدْعُوَا غَيرَ اللهِ سُبحانَه، وأنابَا إليه؛ لاعتِقادِهما الصَّحيحِ أنَّ اللهَ يَسمَعُ ويَعلَمُ ويَقْدِرُ، وأنَّه وَحْدَه الذي يَغفِرُ الذُّنوبَ ويَرحَمُ عِبادَه.

- وقد أخَذَ اللهُ على بني آدَمَ العَهدَ والمِيثاقَ بأنَّه رَبُّهم، وأشهَدَهم بذلك على أنفُسِهم.

قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: ١٧٢-١٧٣].

- والنَّاسُ كُلُّهم يُولَدونَ على الفِطرةِ ويَنشَؤونَ عليها ما لم تَصْرِفْهم عنها صوارِفُ الشَّرِّ والضَّلالِ.

عن عِياضٍ المُجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: ((أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ ممَّا عَلَّمَنِي يَومِي هذا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وإني خلقتُ عبادي حُنَفاءَ كُلَّهم، وإنَّهم أَتَتْهم الشَّياطينُ فاجتالَتْهم عن دينِهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحلَلْتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِلْ به سُلطانًا...)) الحديث.

وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: ((ما من مولودٍ إلَّا يُولَدُ على الفِطرةِ، فأبواه يهَوِّدانِه، أو ينَصِّرانِه، أو يُمجِّسانِه)).

فعَقيدةُ التَّوحيدِ هي الأصلُ الذي كان عليه آدَمُ -عليه السَّلامُ- والأجيالُ الأولى من ذُرِّيَّتِه

قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: ٢١٣].

أي: إنَّ النَّاس كانوا مجتَمِعين منذ عهدِ آدمَ عليه السَّلامُ على دِينٍ واحدٍ، هو دينُ الإسلامِ، وظلُّوا على ذلك مدَّةَ عَشرةِ قرونٍ، فاختلَفوا في دِينهم حتى عبَدوا الأصنامَ، فبعَث الله النَّبيِّين ينهَوْن عن ذلك الكُفرِ، مُبشِّرين مَن أطاعهم بالجنَّةِ، ومُنذِرين مَن عصاهم بالنَّارِ، وكان أوَّلَهم نوحٌ عليه السَّلامُ.

عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (كان بين نوحٍ وآدمَ عشرةُ قرونٍ، كلُّهم على شريعةٍ من الحَقِّ، فاختلفوا؛ فبعث اللهُ النبيِّينَ مُبشِّرينَ ومُنذِرينَ).

قال ابنُ تَيميَّةَ: (لم يكُنِ الشِّركُ أصلًا في الآدميِّينَ، بل كان آدَمُ ومن كان على دينِه من بنيه على التَّوحيدِ لله؛ لاتِّباعِهم النبُوَّةَ؛ قال اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [يونس: ١٩].

قال ابنُ عباس: "كان بين آدَمَ ونوحٍ عَشرةُ قرونٍ كلُّهم على الإسلامِ"، فبتركِهم اتِّباعَ شريعةِ الأنبياءِ وَقَعوا في الشِّركِ، لا بوُقوعِهم في الشِّركِ خرجوا عن شريعةِ الإسلامِ؛ فإن آدَمَ أمرَهم بما أمَرَه اللهُ به؛ حيث قال له: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٣٨-٣٩].


والحمد لله رب العالمين.

أحمد الأصلي
بواسطة : أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات