بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...
«باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ»
عن أبي وَائِلٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
«رواه البخاري»
معاني الكلمات
قَوْلُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اِبْنِ مَسْعُودٍ)
اسم الرجل: هُوَ نَهِيك -بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ- اِبْنُ سِنَانٍ الْبَجْلِيُّ، سَمَّاهُ مَنْصُورٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (قَرَأْت الْمُفَصَّلَ): تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَلِقَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ قَرَأْت الْمُفَصَّلَ سَبَبٌ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيك بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) أَوْ غَيْرِ يَاسِنٍ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُلُّ الْقُرْآنِ أَحْصَيْت غَيْرَ هَذَا، قَالَ: إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ.
الوجه الإعرابي
قَوْلُهُ: (هَذًّا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: سَرْدًا وَإِفْرَاطًا فِي السُّرْعَةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ اِسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ كَانَتْ عَادَتَهُمْ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ.
وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ أَيْضًا أَنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَزَادَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَإِسْحَاقُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ فِيهِ "وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ" وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ نَفَعَ.
قَوْلُهُ: (لَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ) أَيْ: السُّوَرَ الْمُمَاثِلَةَ فِي الْمَعَانِي كَالْمَوْعِظَةِ أَوْ الْحُكْمِ أَوْ الْقَصَصِ، لَا الْمُتَمَاثِلَةَ فِي عَدَدِ الْآيِ، لِمَا سَيَظْهَرُ عِنْدَ تَعْيِينِهَا.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: كُنْت أَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْعَدِّ، حَتَّى اِعْتَبَرْتهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئًا مُتَسَاوِيًا.
قَوْلُهُ: (يَقْرُنُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا.
قَوْلُهُ: (عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آل حم فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَعَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِوَايَةِ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ "ثَمَانِي عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ ال حم" وَبَيَّنَ فِيهِ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ قَوْلَهُ عِشْرِينَ سُورَةً إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو وَائِلٍ مِنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَفْظُهُ "فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ عَلْقَمَةُ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ اِبْنِ مَسْعُودٍ آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ".
وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ الْأَعْمَشِ مِثْلُهُ وَزَادَ فِيهِ "فَقَالَ الْأَعْمَشُ: أَوَّلُهُنَّ الرَّحْمَنُ وَآخِرُهُنَّ الدُّخَانُ" ثُمَّ سَرَدَهَا، وَكَذَلِكَ سَرَدَهَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: "كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ: الرَّحْمَن وَالنَّجْم فِي رَكْعَةٍ وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّة فِي رَكْعَةٍ وَالذَّارِيَاتِ وَالطُّور فِي رَكْعَةٍ وَالْوَاقِعَة وَنُون فِي رَكْعَةٍ وَسَأَلَ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُدَّثِّر وَالْمُزَّمِّل فِي رَكْعَةٍ وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ فِي رَكْعَةٍ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَالدُّخَانَ فِي رَكْعَةٍ".
هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالْآخَرُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ "فِي رَكْعَةٍ" فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَذَكَرَ السُّورَةَ الرَّابِعَةَ قَبْلَ الثَّالِثَةِ وَالْعَاشِرَةَ قَبْلَ التَّاسِعَةِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الِاقْتِرَانِ، وَقَدْ سَرَدَهَا أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ لَكِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي بَعْضٍ وَحَذَفَ بَعْضَهَا، وَمُحَمَّدٌ ضَعِيفٌ.
وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ "وَسُورَتَيْنِ مِنْ ال حم" مُشْكِلٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ الْحَوَامِيمِ غَيْرُ الدُّخَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّغْلِيبِ.
أَوْ فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَسُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مِنْ ال حم.
وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ "آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ" مُشْكِلٌ لِأَنَّ حم الدُّخَانَ آخِرُهُنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ.
وَأَمَّا عَمَّ فَهِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ فَكَأَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا؛ لِأَنَّ عَمَّ وَقَعَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ "عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ" تَجَوُّزًا لِأَنَّ الدُّخَانَ لَيْسَتْ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ فَصَلَهَا مِنْ الْمُفَصَّلِ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ.
نَعَمْ يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْآرَاءِ فِي حَدِّ الْمُفَصَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ كَرَاهَةُ الْإِفْرَاطِ فِي سُرْعَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَطْلُوبَ مِنْ التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ السَّرْدِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالتَّدَبُّرِ أَعْظَمُ أَجْرًا، وَفِيهِ جَوَازُ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلُ حَدِيثٍ مَوْصُولٍ أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلِهَذَا صَدَّرَ التَّرْجَمَةَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ لِأَنَّهُ إِذَا جُمِعَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ سَاغَ الْجَمْعُ بَيْنَ ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا لِعَدَمِ الْفَرْقِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: "سَأَلْت عَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ السُّوَرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ الْمُفَصَّلِ"، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي التَّهَجُّدِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطِّوَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى النَّادِرِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ قَدْرَ قِرَاءَتِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا تَطْوِيلُهُ فَإِنَّمَا كَانَ فِي التَّدَبُّرِ وَالتَّرْتِيلِ، وَمَا وَرَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَكْعَةٍ فَكَانَ نَادِرًا.
لَكِنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرُنُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ الْمُعَيَّنَاتِ إِذَا قَرَأَ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ كَانَتْ عَشْرَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْوِتْرِ، وَفِيهِ مَا يُقَوِّي قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّم: إِنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ كَانَ عَنْ اِجْتِهَادٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ تَأْلِيفَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَ مُغَايِرٌ لِتَأْلِيفِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ.
شرح الحديث
أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى بتَدبُّرِ القرآنِ الكريم، فقال تعالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال عزَّ مِن قائلٍ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82]، وهذا هو المقصودُ مِن قِراءتِه، لا مُجرَّدُ سَرْدِ حُروفِه دونَ فَهمٍ أو تَعقُّلٍ، ويَتأكَّدُ هذا الأمرُ إذا كانتِ القِراءةُ في الصَّلاةِ، وقد كَرِهَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ فِعلَ الرَّجلِ الَّذي قال له: إنَّه قرَأَ المُفصَّلَ كلَّه في رَكعةٍ، والمُفصَّلُ مِن سُورةِ «ق» إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: مِن سُورةِ محمَّدٍ إلى آخِرِ القُرآنِ، وسُمِّيَ مُفصَّلًا لِقِصَرِ سُوَرِه وقُرْبِ انْفِصالِ بَعْضِهنَّ مِن بَعضٍ، وقدْ أنكَرَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه هذا الفِعلَ مِن الرَّجُلِ، وقال له: هَذًّا كهَذِّ الشِّعرِ! أي: قرَأْتَه قِراءةً مُتسرِّعَةً ليس فيها تَدبُّرٌ كما يُفعَلُ في الشِّعرِ، وإنَّمَا قال ذلك لأنَّ تِلكَ الصِّفةَ كانتْ عادَتَهم في إنشادِ الشِّعْرِ، وهذا الإنكارُ مِن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه لفِعلِ الرَّجلِ؛ لِمَا فيه مِن قلَّةِ التَّدبُّرِ لِمَا يقرَؤُه، أمَّا لو كان المُصلِّي مُتدبِّرًا مُتأنِّيًا، فإنَّ طُولَ قِيامِه زِيادةٌ له في الأجرِ. ثمَّ ذكَرَ ابنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه يَعرِفُ النَّظائرَ، وهي السُّوَرُ المُتقارِبةُ في الطُّولِ، الَّتي كان يَقرَأُ بها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَجمَعُ بيْنَهنَّ في صَلاتِه، يَقرَأُ سُورتينِ في كلِّ رَكعةٍ، عدَدُهنَّ عِشرونَ سُورةً مِن المُفصَّلِ، وقد ورَد ذِكرُ هذه السُّوَرِ عندَ أبي داودَ عن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهي: الرَّحمنُ والنَّجمُ في رَكعةٍ، والقمرُ والحاقَّةُ في رَكعةٍ، والطُّورُ والذَّارِياتُ في رَكعةٍ، والواقعةُ والقلَمُ في رَكعةٍ، والمعارِجُ والنَّازعاتُ في ركعة، و«وَيْلٌ للمُطفِّفِينَ» و«عَبَسَ» في ركعة، والمدَّثِّرُ والمُزمِّلُ في رَكعةٍ، والإنسانُ والقيامةُ في رَكعةٍ، والنَّبأُ والمُرسَلاتُ في رَكعةٍ، والدُّخَانُ والتَّكويرُ في رَكعةٍ.فإنْ قيل: الدُّخَانُ لَيست مِن المُفصَّلِ، فَكيف عدَّهَا مِن المُفصَّلِ؟ فالجوابُ: أنَّ فيه تَجوُّزًا، وقد جاء في رِوايةٍ: ثَمانِي عشْرةَ سُورةً مِن المُفصَّلِ، وسُورتينِ مِن آلِ «حم».وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الجمْعِ بيْن السُّورتينِ أو أكثَرَ في رَكعةٍ واحدةٍ.
(مصدر الشرح: الدرر السنية).
والحمد لله رب العالمين.