أهمية الاحترام والتوقير في الإسلام - مسلمون

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...


أهمية الاحترام والتوقير في الإسلام - مسلمون



تعريف الاحترام والتوقير


الاحترامُ لُغةً:

الاحترامُ: مِن الحُرمةِ، وهي: المهابةُ، يقالُ: احترمه، أي: كرَّمه وأكبَرَه، وأحسَنَ معاملتَه حُبًّا ومهابةً.


الاحترامُ اصطِلاحًا:

الاحترامُ هو الإكبارُ والمهابةُ ورَعيُ الحُرمةِ وحُسنُ المعاملةِ.


التَّوقيرُ لُغةً:

والتَّوقيرُ: التَّعظيمُ والتَّبجيلُ.


التَّوقيرُ اصطِلاحًا:

قال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوقيرُ: اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما فيه سكينةٌ وطمأنينةٌ من الإجلالِ والإكرامِ، وأن يُعاملَ من التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بما يصونُه عن كُلِّ ما يخرِجُه عن حَدِّ الوَقارِ).





الحث على الاحترام والتوقير


من السنة النبوية:


من ينظر في نُصوصِ السُّنَّةِ النبوية المُشرَّفةِ يلاحِظُ ما اشتملَت عليه من حثٍّ على التَّوقيرِ والاحترامِ في مختَلِفِ صوَرِه وأشكالِه؛ فقد أمرَت السُّنَّةُ بحُسنِ المعاملةِ والبشاشةِ، والقولِ الحَسَنِ وبَذلِ السَّلامِ، ودعَت إلى تهذيبِ اللِّسانِ، والتَّحَلِّي بالتَّسامُحِ، ونَبذِ الفُحشِ والبذاءةِ حتَّى مع غيرِ المُسلِمِ، وبالجُملةِ فهي أمثلةٌ حَيَّةٌ وصُوَرٌ مُشرِقةٌ لمعاني الاحترامِ والتَّوقيرِ.


١- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((جاء شيخٌ يريدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأبطأ القومُ أن يُوَسِّعوا له، فقال النَّبيُّ ﷺ: ليس منَّا مَن لم يُوقِّرْ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا)).


٢- عن أبي مَسعودٍ عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللَّهِ ﷺ يمسَحُ مناكِبَنا في الصَّلاةِ، ويقولُ: استَووا، ولا تختَلِفوا فتختَلِفَ قُلوبُكم، لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثمَّ الذين يَلونَهم، ثمَّ الذين يَلونَهم. قال أبو مسعودٍ: فأنتم اليومَ أشَدُّ اختلافًا)).


فالنَّبيُّ ﷺ كان يحرِصُ على توقيرِ ذوي المكانةِ والعِلمِ والفَضلِ، وتصديرِهم في مقدِّمةِ المجالِسِ، كما في وُقوفِ ذوي الأحلامِ والنُّهى خَلفَ الإمامِ، ولا يكونُ ذلك في الغالِبِ إلَّا لكبارِ السِّنِّ ومن لديهم من العِلمِ والمكانةِ ما يستوجِبُ احترامَهم وتوقيرَهم، كما استوجب أن يقدَّموا فيكونوا في الصَّفِّ الأوَّلِ خَلفَ الإمامِ، ولا يختَصُّ هذا التَّقديمُ بالصَّلاةِ، بل السُّنَّةُ أن يُقَدَّمَ أهلُ الفَضلِ في كُلِّ مجمَعٍ إلى الإمامِ وكبيرِ المجلِسِ، كمجالسِ العِلمِ والقَضاءِ والذِّكرِ والمشاورةِ، ومواقِفِ القِتالِ، وإمامةِ الصَّلاةِ، والتَّدريسِ والإفتاءِ، وإسماعِ الحديثِ ونحوِها، ويكونُ النَّاسُ فيها على مراتِبِهم في العِلمِ والدِّينِ والعَقلِ، والشَّرَفِ والسِّنِّ والكفاءةِ.


٣- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قال: ((يُسَلِّمُ الصَّغيرَ على الكبيرِ...)).

و(تسليمُ الصَّغيرِ لأجْلِ حَقِّ الكبيرِ؛ لأنَّه أُمِرَ بتوقيرِه والتَّواضُعِ له).



من أقوال السلف والعلماء:


- قال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (تعلَمُ أنَّك لو طلَبْتَ مُنَزَّهًا عن كُلِّ عيبٍ اعتزَلْتَ عن الخَلقِ كافَّةً، ولن تجِدَ مَن تصاحِبُه أصلًا؛ فما من أحَدٍ من النَّاسِ إلَّا وله محاسِنُ ومَساوئُ، فإذا غلبَت المحاسِنُ المساوئَ فهو الغايةُ والمنتهى، فالمُؤمِنُ الكريمُ أبدًا يُحضِرُ في نفسِه محاسِنَ أخيه لينبَعِثَ من قَلبِه التَّوقيرُ والوُدُّ والاحترامُ، وأمَّا المُنافِقُ اللَّئيمُ فإنَّه أبدًا يلاحِظُ المساوئَ والعُيوبَ).


- قال ابنُ المبارَكِ: (حَقٌّ على العاقِلِ ألَّا يستخِفَّ بثلاثةٍ: العُلَماءِ، والسَّلاطينِ، والإخوانِ؛ فإنَّه مَن استخَفَّ بالعُلَماءِ ذَهَبت آخِرَتُه، ومن استخَفَّ بالسُّلطانِ ذهَبت دُنياه، ومَن استخَفَّ بالإخوانِ ذهَبَت مروءتُه).


- عن العَبَّاسِ بنِ عبدِ العظيمِ العَنبريِّ، قال: (كنتُ عِندَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ وجاءه عليُّ بنُ المدينيِّ راكِبًا على دابَّةٍ، قال: فتناظَرا في الشَّهادةِ وارتفَعَت أصواتُهما حتَّى خِفتُ أن يقَعَ بَيْنَهما جفاءٌ، وكان أحمدُ يرى الشَّهادةَ، وعليٌّ يأبى ويدفَعُ، فلمَّا أراد عليٌّ الانصرافَ قام أحمدُ فأخَذ برِكابِه).


- قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا على توقيرِ أهلِ القرآنِ والإسلامِ، والنَّبيِّ ﷺ، وكذلك الخليفةُ والفاضِلُ والعالِمُ).


- وعن ابنِ طاوُسٍ، عن أبيه، قال: (من السُّنَّةِ أن يُوَقَّرَ أربعةٌ: العالِمُ، وذو الشَّيبةِ، والسُّلطانُ، والوالِدُ).


- وقال يحيى بنُ مُعاذٍ: (إنَّ العبدَ على قَدرِ حُبِّه لمولاه يحبِّبُه إلى خَلقِه، وعلى قَدرِ توقيرِه لأمرِه يُوَقِّرُه خَلْقُه ...).


- وعن الحُسَينِ الوَرَّاقِ، قال: سألتُ أبا عُثمانَ عن الصُّحبةِ، فقال: (الصُّحبةُ مع اللَّهِ عزَّ وجَلَّ بحُسنِ الأدَبِ ودوامِ الهَيبةِ والمراقَبةِ، والصُّحبةُ مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باتِّباعِ سُنَّتِه ولُزومِ ظاهِرِ العِلمِ، والصُّحبةُ مع أولياءِ اللَّهِ بالاحترامِ والحُرمةِ، والصُّحبةُ مع الأهلِ والولَدِ بحُسنِ الخُلُقِ، والصُّحبةُ مع الإخوانِ بدَوامِ البِشرِ والانبِساطِ ما لم يكُنْ إثمًا، والصُّحبةُ مع الجُهَّالِ بالدُّعاءِ لهم والرَّحمةِ عليهم، ورُؤيةِ نِعمةِ اللَّهِ عليك أن عافاك ممَّا ابتلاهم به).


- وقال سَهلٌ التُّستَريُّ: (لا يزالُ النَّاسُ بخيرِ ما عظَّموا السُّلطانَ والعُلَماءَ، فإذا عَظَّموا هذين أصلَح اللَّهُ دُنياهم وأُخراهم، وإذا استخفُّوا بهذين أفسَدوا دُنياهم وأُخراهم).




فوائد الاحترام والتوقير بين الناس


١- يَعصِمُ من الوقوعِ في التَّعدِّي بالقَولِ أو الفِعلِ، فتُصانُ الحُرُماتُ وتُحفَظُ الأعراضُ.

٢- يدفَعُ أسبابَ العداوةِ والبغضاءِ.

٣- به يتحَقَّقُ العَدلُ ويُنَزَّلُ كُلُّ واحدٍ مَنزِلتَه.

٤- من أسبابِ تقارُبِ وِجهاتِ النَّظرِ ودَفعِ الخِلافِ.

٥- من أسبابِ تقويةِ أواصِرِ المحبَّةِ بَيْنَ النَّاسِ.

٦- فيه امتِثالٌ لتعاليمِ الشَّرعِ الكريمِ.

٧- يجلِبُ محبَّةَ اللَّهِ تعالى ومحبَّةَ النَّاسِ.

٨- تقويةُ العلاقاتِ وغَرسُ الثِّقةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ.

٩- من أسبابِ كَسبِ القُلوبِ ونجاحِ الدَّعَواتِ.




والحمد لله رب العالمين.

أحمد الأصلي
بواسطة : أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات