النهي عن كثرة السؤال والتشدد - الأربعون النووية - مسلمون

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...


النهي عن كثرة السؤال والتشدد - الأربعون النووية - مسلمون



الحَدِيثُ التَاسِع:
النهي عن كثرة السؤال والتشدد.


عَن أبي هُريرةَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقولُ: {مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ} - رواه البخاريُّ ومسلمٌ.



إعراب الحديث


{ما}: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، {نهيتكم}: نهى فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، التاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، {كم}: الكاف ضمير خطاب مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم للجمع.

{عنه} عن حرف جر، الهاء ضمير مبني على الضم في محل جر.

{فانتهوا} الفاء واقعة في جواب الشرط.

{انتهوا} فعل أمر مبني على حذف النون، {الواو} ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة في محل جزم جواب الشرط، {وما أمرتكم به فأتوا منه}: تعرب إعراب الجملة السابقة، {ما استطعتم}: 

{ما}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

{استطعتم}: {استطاع}: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل التاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، والميم للجمع والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

{فإنما أهلك}: {الفاء}: للتعليل إنما كافة ومكفوفة.

{أهلك}: فعل ماضٍ مبني على الفتح.

{الذين}: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.

{من قبلكم}: من حرف جر قبل اسم مجرور والجار والمجرور متعلقان بأهلك وهو مضاف، الكاف ضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

{كثرة}: فاعل مؤخر مرفوع علامة رفعه الضمة وهو مضاف.

{مسائلهم}: {مسائل}: مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة وهو مضاف.

{هم}: ضمير مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

{واختلافهم}: {الواو}: حرف عطف.

{اختلاف} معطوف على كثرة وهو مضاف. 

{على}: حرف جر.

{أنبيائهم}: {أنبياء}: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة وهو مضاف، والجار والمجرور متعلقان باختلاف.

و{هم}: تعرب كما سبق.



مفردات الحديث


(فاجتنبوه): باعدوا منه حتمًا في المحرم، وندبًا في المكروه. 


(فأتوا منه): وجوبًا في الواجب، وندبًا في المندوب. 


(استطعتم): أطقتم. 


(واختلافهم): بالرفع، لأنه أبلغ في ذم الاختلاف، إذ لا يتقيد حينئذ بكثرة خلافه لو جر، ومعنى الاختلاف على الأنبياء مخالفتهم.

وهي تستلزم اختلاف الأمة فيما بينها. 



شرح وفوائد الحديث 


قوله ﷺ: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أي: اجتنبوه جملة واحدة لا تفعلوه ولا شيئًا منه، وهذا محموله على نهي التحريم، فأما نهي الكراهة فيجوز فعله، وأصل النهي في اللغة: المنع. 


قوله ﷺ: (وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)

 فيه مسائل: منها إذا وجد ماء للوضوء لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي. 

ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه. ومنها إذا وجد بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله.

 وهذا بخلاف ما إذا وجد بعض الرقبة فإنه لا يجب عتقه عن الكفارة، لأن الكفارة لها بدل وهو الصوم. 


وقوله ﷺ: (فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم).


ولكن اعلم أن السؤال على أقسام:


القسم الأول:

سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلاة والصوم، وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك.

وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ومسلمة، ولا يسع الإنسان السكوت عن ذلك قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: ٣٤۝]، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أعطيت لسانًا سؤولًا وقلبًا عقولًا، كذلك أخبر عن نفسه رضي الله تعالى عنه. 


القسم الثاني:

السؤال عن التفقه في الدين قال سبحانه وتعالى: {فلولا نفرَ مِنْ كُلَّ فرقةٍ منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولِينذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحذَرون} [التوبة: ٢١١۝]. 


وقال ﷺ: (ألا فليعلم الشاهد منكم الغائب). 


القسم الثالث:

أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه، ولا على غيره، وعلى هذا حمل الحديث لأنه قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال ﷺ: (وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها).

وعن علي رضي الله عنه لما نزلت: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}. [آل عمران: ٧٩۝]. 


قال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ 

فأعرض عنه، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله ﷺ: 


(وما يوشك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لو جبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه). 


فـأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤُكُم} [المائدة: ١٠١۝].

أي لم آمركم بالعمل بها، وهذا النهي خاص بزمانهﷺ. 

أما بعد أن استقرت الشريعة، وأمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه، وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني الآيات المشتبهة. 


سُئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: ٥۝] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني. 


وقال بعضهم: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم: وهو السؤال.




ما يستفاد من الحديث


١- الأمر بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي. 


٢- أن النهي أشد من الأمر، لأن النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه، وأمر قيد بالاستطاعة، ولهذا قال بعض السلف: أعمال البر يعملها البار والفاجر، والمعاصي لا يتركها إلا صديق. 


٣- أن العجز عن الواجب أو عن بعضه مسقط للمعجوز عنه، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، إلا أن المعجوز عنه إن كان له بدل فأتى به فقد أتى بما عليه، كمن عجز عن القيام في الصلاة فانتقل إلى الصلاة قاعدًا، أو على جنب، وإن عجز عن أصل العبادة فلم يأت بها كالمريض يعجز عن الصيام سقطت عنه المباشرة حالة العجز، ووجب عليه القضاء بعده.

وقد يكون الوجوب منوطا بالقدرة حالة الوجوب فقط، فإذا عجز عنه سقط رأسا كزكاة الفطر لمن عجز عن قوته وقوت عياله. 


٤- النهي عن كثرة السؤال.

 وقد قسم العلماء السؤال إلى قسمين: أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين، فهذا مأمور به لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وعلى هذا النوع تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. والثاني: ما كان على وجه التعنت والتكلف وهذا هو المنهي عنه. 


٥- تحذير هذه الأمة من مخالفة نبيها، كما وقع في الأمم التي قبلها.




الحديث التاسع من الأربعين النووية


والحمد لله رب العالمين

أحمد الأصلي
بواسطة : أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات