حُسن العِشرة والجِوار - مسلمون

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...


حُسن العِشرة والجِوار - مسلمون



أوَّلًا: معنى حُسنِ العِشرةِ والجِوارِ

الحُسنُ: ضِدُّ القُبحِ، أو الحُسنُ: نَعتٌ لِما حَسُن، أو هو عبارةٌ عن كُلِّ مُستحسَنٍ مرغوبٍ. 

والعِشرةُ اسمٌ من المعاشَرةِ والتَّعاشُرِ، وهي المداخَلةُ والمخالطةُ والمصاحَبةُ والمعايَشةُ والمعامَلةُ، يقالُ: عاشَرْتُه معاشَرةً، واعتشَروا وتعاشَروا: تخالَطوا. 

والجوارُ: مَصدَرُ جاوَر مجاوَرةً وجِوارًا، يقالُ: جاوَر الرَّجُلَ: ساكَنَه. 

 

ثانيًا: التَّرغيبُ في حُسنِ العِشرةِ والجِوارِ

أ- من القُرآنِ الكريمِ:

وردت عِدَّةُ آياتٍ في الحَثِّ على حُسنِ العِشرةِ والجِوارِ؛ منها:

١- قال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: ٢٣١] ، تضمَّنت الآيةُ الأمرَ بحُسنِ العِشرةِ، وتَركِ المغايظةِ مع الزَّوجةِ.

٢- وقال تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: ٨٦] ، وفي هذا تعليمٌ لهم حُسنَ العِشرةِ وآدابَ الصُّحبة. 

٣- وقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: ١٣] ، وفيه بعثٌ على حُسنِ العِشرةِ. 

٤- قال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء: ٣٦]، فينبغي للجارِ أن يتعاهَدَ جارَه بالهَديَّةِ والصَّدَقةِ والدَّعوةِ، واللَّطافةِ بالأقوالِ والأفعالِ، وعَدَمِ أذيَّتِه بقولٍ أو فعلٍ. 

٥- قال تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء: ١٩] ، قال الأزهريُّ: «العَضْلُ في هذه الآيةِ من الزَّوجِ لامرأتِه، وهو أن يُضارَّها ولا يحسِنَ مُعاشرتَها؛ ليضطرَّها بذلك إلى الافتداءِ منه بمهرِها، سمَّاه اللهُ عَضْلًا؛ لأنَّه يمنعُها حقَّها من النَّفقةِ، وحُسنِ العِشرةِ، والإنصافِ في الفِراشِ». 

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ:

وممَّا جاء في حَضِّ النَّبيِّ ﷺ على حُسنِ العِشرةِ والجِوارِ:

١- عن ابنِ عُمَرَ وعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهما قالا: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «ما زال جِبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُه». 

قولُه: (سيُوَرِّثُه) أي: سيجعَلُه قريبًا وارِثًا، وقيل: معناه، أي: يأمُرُني عن اللهِ بتوريثِ الجارِ من جارِه، وهذا خرجَ مخرَجَ المبالغةِ في شِدَّةِ حِفظِ حَقِّ الجارِ. 

٢- وعن أبي شُرَيحٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُحسِنْ إلى جارِه».

عن أبي شُرَيحٍ العدَويِّ قال: سَمِعتْ أُذُناي وأبصَرَت عيناي حين تكَلَّمَ النَّبيُّ ﷺ، فقال: «من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُكرِمْ جارَه». 

عن أبي هُرَيرةَ، عن رسولِ اللهِ ﷺ قال: «... من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُكرِمْ جارَه»، فجعَل إكرامَ الجارِ من مقتضى الإيمانِ. 

٣- وعن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «يا نساءَ المُسلِماتِ لا تَحقِرَنَّ جارةٌ لجارتِها ولو فِرْسِنَ شاةٍ».

قال ابنُ حَجَرٍ: (الفِرْسِنُ: عَظمٌ قليلُ اللَّحمِ، وهو للبعيرِ مَوضِعُ الحافِرِ للفَرَسِ، ويُطلَقُ على الشَّاةِ مجازًا، وأشيرَ بذلك إلى المبالغةِ في إهداءِ الشَّيءِ اليسيرِ، وقبولِه لا إلى حقيقةِ الفِرسِنِ؛ لأنَّه لم تجْرِ العادةُ بإهدائِه، أي: لا تمنَعْ جارةٌ من الهديَّةِ لجارتِها الموجودَ عِندَها لاستقلالِه، بل ينبغي أن تجودَ لها بما تيسَّر وإن كان قليلًا، فهو خيرٌ من العَدَمِ، وذِكرُ الفِرْسِنِ على سبيلِ المبالغةِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ النَّهيُ إنَّما وقع للمُهدى إليها وأنَّها لا تحتَقِرُ ما يُهدى إليها ولو كان قليلًا، وحَمْلُه على الأعَمِّ من ذلك أَولى).

٤- قال سَلمانُ لأبي الدَّرداءِ: «إنَّ لرَبِّك عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا؛ فأعطْ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه. فأتى أبو الدَّرداءِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكر ذلك له، فقال النَّبيُّ ﷺ: صَدَق سَلمانُ»، فيه ثبوتُ حَقِّ المرأةِ على الزَّوجِ في حُسنِ العِشرةِ، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:«والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه»، فرعايتُه قيامُه عليهم بحَقِّ النَّفَقةِ والكِسوةِ وحُسنِ العِشرةِ. 

٥- وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «يا أبا ذرٍّ إذا طبَخْتَ مَرَقةً فأكثِرْ ماءَها، وتعاهَدْ جيرانَك»، هذا الأمرُ على جهةِ النَّدبِ، والحَثِّ على مكارِمِ الأخلاقِ، وإرشادٌ إلى محاسِنِها؛ لما يترَتَّبُ عليه من المحبَّةِ وحُسنِ العِشرةِ والأُلفةِ، ولما يحصُلُ به من المنفعةِ، ودفعِ الحاجةِ والمفسدةِ عن الجارِ.

٦- وقال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «خيرُ الجيرانِ عِندَ اللهِ خَيرُهم لجارِه».

٧- قال جعفَرُ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: «أمَرَنا أي النَّبيُّ ﷺ بصِدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عن المحارِمِ والدِّماءِ، ونهانا عن الفواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ».


ثالثًا: فوائِدُ حُسنِ العِشرةِ والجِوارِ

١- سَبَبٌ لمحبَّةِ اللهِ تعالى؛ قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: ١٩٥] .

٢- سببٌ لمحبَّةِ النَّاسِ ووُدِّهم.

٣- سببٌ للفَوزِ بالجنَّةِ والنَّجاةِ من النَّارِ؛ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:«فمن أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنَّةَ فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، وليأتِ إلى النَّاسِ الذي يحِبُّ أن يؤتى إليه».  

٤- علامةٌ على كمالِ الإيمانِ وحُسنِ الإسلامِ.

٥- تحصيلُ معيَّةِ اللهِ تعالى، ونيلُ رَحمتِه؛ قال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: ٦٩] ، وقال أيضًا: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦] .

٦- شيوعُ الوُدِّ والألفةِ والمحبَّةِ.

٧- تماسُكُ الأمَّةِ وترابُطُ أبنائِها.

٨- السَّعادةُ وراحةُ البالِ؛ قال ابنُ القيِّمِ:«إنَّ الكريمَ المحسِنَ أشرحُ النَّاسِ صدرًا، وأطيبُهم نفسًا».


رابعًا: درجاتُ حُسنِ العِشرةِ والجوارِ

حُسنُ العِشرةِ والجوارِ على ثلاثِ دَرَجاتٍ:

الأولى: كفُّ الأذى، فلا يؤذي جليسًا ولا جارًا ولا أحدًا بقولٍ أو فعلٍ أو نظرةٍ؛ قال النَّبيُّ ﷺ:«واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، قيل: ومَن يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: الذي لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه»، وقال الشَّاعِرُ:

وأغُضُّ طَرْفي إن بَدَتْ لي جارتي... حتى يواري جارتي مأواها .

وشكا بعضُهم كثرةَ الفأرِ في دارِه، فقيل له: لو اقتَنَيتَ هِرًّا، فقال: أخشى أن يسمعَ الفأرُ صوتَ الِهرِّ فيَهرُبَ إلى دورِ الجيرانِ، فأكونَ قد أحبَبْتُ لهم ما لا أحِبُّ لنفسي. 

الثَّانيةُ: تحمُّلُ الأذى، فيتحَمَّلُ أذى من يخالِطُهم؛ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:«المُؤمِنُ الذي يخالطُ النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم أعظَمُ أجرًا من المُؤمِنِ الذي لا يخالِطُ النَّاسَ ولا يصبِرُ على أذاهم»، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:«لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً، إن كَرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ»، وهذا حثٌّ على حُسنِ العِشرةِ والصُّحبةِ، والصَّبرِ على سُوءِ خُلُقِهنِّ.

وقال رجُلٌ لابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: إنَّ لي جارًا يؤذيني ويشتُمُني ويُضَيِّقُ عَلَيَّ، فقال:«إن هو عصى اللهَ فيك، فأطِعِ اللهَ فيه»، وقال ابنُ حزمٍ:«من أساء إلى أهلِه وجيرانِه فهو أسقَطُهم، ومن كافأ من أساء إليه منهم فهو مِثلُهم، ومن لم يكافِئْهم بإساءتِهم فهو سيِّدُهم وخيرُهم وأفضَلُهم».

الثَّالثةُ: بذلُ النَّدى، أي: المعروفِ، سواءٌ كان بالنَّفسِ أو المالِ أو الجاهِ؛ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قال:«لا يمنَعْ جارٌ جارَه أن يَغرِزَ خَشَبَه في جِدارِه».

قال الغزاليُّ:«ليس حَقُّ الجوارِ كَفَّ الأذى فقط، بل احتِمالُ الأذى، ولا يكفي احتمالُ الأذى، بل لا بدَّ من الرِّفقِ وإسداءِ الخيرِ والمعروفِ».


خامسًا: مظاهِرُ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ

من مظاهِرِ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ:

١- موافَقةُ الزَّوجينِ كُلٍّ منهما للآخَرِ؛ إذ الموافقةُ من حُسنِ العِشْرةِ وجميلِ الصُّحبةِ.

٢- عدَمُ استقبالِ المرءِ بعُيوبِه.

٣- كفُّ الأذى عن الجارِ.

٤- المواساةُ، والعيادةُ، والزِّيارةُ، والتَّهنئةُ في الفَرحِ، والهَدِيَّةُ.

٥- غَضُّ البَصَرِ عن حريمِ الجارِ.

٦- احتمالُ الأذى من الجارِ والصَّاحِبِ.

٧- شُكرُ المعروفِ، ومقابلةُ الإساءةِ بحِلمٍ وإحسانٍ.

٨- مُعاشَرةُ مَن دونَه بالشَّفَقةِ، ومَن فوقَه بالإجلالِ، ومَن هو مِثلُه بالإيثارِ.

٩- سَترُ العُيوبِ.

١٠- خِدمةُ المرأةِ زوجَها. 

١١- السَّمَرُ مع الأهلِ والضَّيفِ، وهو من حُسنِ العِشْرةِ ؛ قال علي القاريُّ:«التحدُّثُ بعدَ العِشاءِ غيرُ مكروهٍ إذا كان من كلامِ الآخِرةِ، أو من بابِ الموعِظةِ، أو من طريقِ حُسنِ العِشْرةِ».

١٢- مُعاشرةُ كُلِّ أحدٍ من حيثُ هو، لا يُكَلِّفُه مجاوزةَ حَدِّه وموافقتَه، بل يتابِعُه هو فيما عليه ذلك الإنسانُ ما لم يكُنْ فيه خَرقٌ للشَّرعِ؛ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للصَّبيِّ:«أبا عُمَيْر، ما فعَلَ النُّغَيْر؟»، فيخالِطُ النَّاسَ على قَدرِ عُقولِهم، ولا يحمِلُ النَّاسَ كُلَّهم على عَقلِه. قال ابنُ عَقيلٍ:«والعاقِلُ إذا خلا بزوجاتِه وإمائِه تَرَك العَقلَ في زاويةٍ كالشَّيخِ الموقَّرِ، وداعَبَ ومازَحَ وهازَلَ؛ ليُعطيَ الزَّوجةَ والنَّفسَ حَقَّهما، وإن خلا بأطفالِه خرج في صورةِ طِفلٍ، ويهجُرُ في ذلك الوَقتِ».

وقيل:«الصُّحبةُ مع الإخوانِ تكونُ بالبِشرِ والانبساطِ، وتَركِ الإنكارِ عليهم، ما لم يكُنْ خَرقُ شريعةٍ أو هَتكُ حُرمةٍ، والصُّحبةُ مع الجُهَّالِ بالنَّظَرِ إليهم بعينِ الرَّحمةِ، ورؤيةِ نِعمةِ اللهِ عليك؛ حيثُ لم يجعَلْك مِثلَهم، والدُّعاءِ لهم ليعافيَهم اللهُ من بلاءِ الجهلِ». 

١٣- التَّواضُعُ لأخيه وإكرامُه، والتَّوسِعةُ له في المجلِسِ، ودعاؤه بأحبِّ أسمائِه إليه، وإظهارُ المودَّةِ، وبَسطُ الوجهِ، والتَّغافُلُ عن الزَّلَّةِ، وإقالةُ العَثرةِ، وقِلَّةُ المجادلةِ، قيل:

واصِلْ أخاك وإن أتاك بمُنكَرٍ

فخُلوصُ شَيءٍ قَلَّما يتمَكَّنُ

ولكُلِّ شيءٍ آفةٌ موجودةٌ

إنَّ السِّراجَ على سَناه يُدَخِّنُ 

١٤- قضاءُ حوائجِ جارِه.

وقد قالوا:«كان الرَّجُلُ إذا أراد أن يَشينَ جارَه طَلَب الحاجةَ إلى غيرِه!».


سادسًا: موانِعُ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ

١- ضَعفُ الإيمانِ يحمِلُ الإنسانَ على إساءةِ العِشرةِ والجِوارِ.

٢- الجَهلُ بما يترَتَّبُ على إحسانِ العِشْرةِ والجِوارِ من المصالحِ والأجورِ.

٣- خِسَّةُ الهِمَّةِ؛ قال ابنُ القَيِّمِ:«والنُّفوسُ الدَّنيئةُ تحومُ حولَ الدَّناءاتِ، وتَقَعُ عليها كما يقعُ الذُّبابُ على الأقذارِ».  

٤- عدَمُ الاقتداءِ برَسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

٥- الجَهلُ بسِيَرِ السَّلَفِ الصَّالحِ.

٦- الأثَرةُ وتقديمُ حَظِّ النَّفسِ.

٧- الكِبرُ؛ فالمتكَبِّرُ ينظُرُ إلى نفسِه بعينِ الكَمالِ، وإلى غيرِه بعينِ النَّقصِ، فيحتَقِرُهم ويزدريهم، ولا يراهم أهلًا لأن يقومَ بحُقوقِهم.

٨- تربيةُ الطِّفلِ على إساءةِ العِشْرةِ والجِوارِ، وفَقْدُه القُدوةَ الحَسَنةَ.

٩- الصُّحبةُ السَّيِّئةُ؛ قال ابنُ حِبَّانَ:«صُحبةُ الأشرارِ تُورِثُ الشَّرَّ، وأنشدني محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زِنجيٍّ البَغداديُّ:

عليك بإخوانِ الثِّقاتِ فإنَّهم

قليلٌ فصِلْهم دونَ مَن كُنتَ تَصحَبُ

ونَفْسَك أكرِمْها وصُنْها فإنَّها

متى ما تجالِسْ سِفلةَ النَّاسِ تَغضَبُ». 

١٠- عَدَمُ تفهُّمِ طبائِعِ النَّاسِ، وإغفالُ ضَعفِهم البَشَريِّ؛ قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ:«من عرَف النَّاسَ استراح».


سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ

١- توثيقُ أواصِرِ الأخُوَّةِ، قيل:«الأخُوَّةُ أوجَبَت حُسنَ العِشْرةِ».

٢- سلامةُ المعتَقَدِ؛ فالعقيدةُ السَّليمةُ الخالصةُ تبعثُ من دان للهِ إلى العَمَلِ الصَّالحِ، والأخلاقِ الفاضلةِ، والآدابِ السَّاميةِ، وتجعَلُ من الإنسانِ رجُلًا مثاليًّا في الحياةِ، إن عاشر النَّاسَ وجَدوا منه خيرَ سِيرةٍ، فمَظهَرُه يشرَحُ للناسِ الإسلامَ، ويُفَسِّرُه تفسيرًا عَمَليًّا بقولِه وعَمَلِه وخُلُقِه.

٣- كثرةُ الدُّعاءِ؛ قال أبو إسحاقَ الإلبيريُّ:

ولازِمْ بابَه قَرعًا عساه

سيفتَحُ بابَه لك إن قرَعْتَا. 

٤- جهادُ النَّفسِ على التَّحلِّي بمكارِمِ الأخلاقِ.

٥- عُلُوُّ الهِمَّةِ.

٦- الخَوفُ من سوءِ العاقبة. 

٧- الاقتداءُ برسولِ اللهِ ﷺ.

٨- النَّظَرُ في سِيَرِ السَّلَفِ الصَّالحِ.

٩- العِلمُ بما في حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ من المنافِعِ والأجورِ.

١٠- العِلمُ بالآثارِ المترتِّبةِ على تَركِ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ.


ثامنًا: حُكمُ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ

يدورُ الحُكمُ في حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ بَيْنَ الوجوبِ والاستحبابِ، فإذا كان حُسنُ العِشْرةِ والجِوارِ بكَفِّ الأذى فهو واجِبٌ، فـلا يحِلُّ إيصالُ الأذى إلى مُسلِمٍ بوَجهٍ من الوجوهِ من قولٍ أو فعلٍ بغيرِ حَقٍّ ، و«الأذى بغيرِ حَقٍّ محرَّمٌ لكُلِّ أحدٍ، ولكِنْ في حقِّ الجارِ هو أشدُّ تحريمًا». وإذا كان حُسنُ العِشْرةِ والجِوارِ ببَذلِ النَّدى وإسداءِ المعروفِ فهو مُستحَبٌّ.


تاسعًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ

١- لا يقتَصِرُ اسمُ الجارِ على من يسكُنُ قريبًا من الشَّخصِ، فكُلُّ من قارب بدَنُه بدَنَ صاحبِه قيل له: جارٌ.

قال الخطَّابيُّ:«العَرَبُ تُسَمِّي امرأةَ الرَّجُلِ جارتَه، وتدعو الضَّرَّتَينِ جارتينِ، وذلك لقُربِ أشخاصِهما، كالجارتَينِ المتصاقِبَتينِ في الدَّارَينِ تسكنانِهما، ومن هذا قولُ الأعشى لامرأتِه:

أجارَتَنا بِيني فإنَّكِ طالِقَهْ».

وعليه، فإنَّ الجارَ يشمَلُ كُلَّ شخصٍ قارب بدَنُه بدَنَ آخَرَ، سواءٌ في السَّكَنِ أو في العَمَلِ أو في الدِّراسةِ أو في المشفى أو في المواصَلاتِ، وهَلُمَّ جَرًّا.

قال العَينيُّ:«اسمُ الجارِ يشمَلُ المُسلِمَ والكافِرَ، والعبَّادَ والفاسِقَ، والصَّديقَ والعَدُوَّ، والغريبَ والبَلَديَّ، والنَّافِعَ والضَّارَّ، والقريبَ والأجنبيَّ، والأقرَبَ دارًا والأبعَدَ».

وقال القُرطبيُّ: «والجيرةُ مراتِبُ بعضُها ألصَقُ من بعضٍ، أدناها الزَّوجةُ».

٢- بعضُ النَّاسِ يكونُ حَسَنَ العِشْرةِ مع النَّاسِ، فإذا دخل بيتَه كان من أسوَأِ النَّاسِ عِشْرةً! والأهلُ أحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ المعشَرِ؛ قال النَّبيُّ ﷺ: «وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم»، وقال أيضًا: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه» و«في ذلك تنبيهٌ على أنَّ أعلى النَّاسِ رُتبةً في الخيرِ، وأحقَّهم بالاتِّصافِ به هو من كان خَيرَ النَّاسِ لأهلِه؛ فإنَّ الأهلَ هم الأحقَّاءُ بالبِشرِ، وحُسنِ الخُلُقِ والإحسانِ، وجَلبِ النَّفعِ ودَفعِ الضُّرِّ، فإذا كان الرَّجلُ كذلك فهو خيرُ النَّاسِ، وإن كان على العَكسِ من ذلك فهو في الجانِبِ الآخَرِ من الشَّرِّ، وكثيرًا ما يقعُ النَّاسُ في هذه الوَرطةِ، فترى الرَّجُلَ إذا لقِيَ أهلَه كان أسوأَ النَّاسِ أخلاقًا وأشجَعَهم نفسًا وأقلَّهم خيرًا، وإذا لَقِيَ غيرَ الأهلِ من الأجانِبِ لانت عريكتُه وانبسطت أخلاقُه وجادت نفسُه وكَثُر خَيرُه! ولا شَكَّ أنَّ من كان كذلك فهو محرومُ التَّوفيقِ زائغٌ عن سواءِ الطَّريقِ، نسألُ اللهَ السَّلامةَ».

 وكان يقالُ:«من قَلَّ خيرُه على أهلِه فلا تَرْجُ خَيرَه».


والحمد لله رب العالمين.

أحمد الأصلي
بواسطة : أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات