العلاقة بين العقيدة والإيمان والتوحيد - مسلمون

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...


العلاقة بين العقيدة والإيمان والتوحيد - مسلمون




تعريف العقيدة


العقيدةُ لغة: من العَقْدِ، وهو الجمعُ بين أطرافِ الشَّيء، والشَّدُّ وشِدَّةُ التَّوثُّقِ.


والعَقيدةُ اصطِلاحًا: هي جَزْمُ القَلبِ وعَقْدُه على توحيدِ اللهِ تعالى وما وَجَب الإيمانُ به دونَ شكٍّ.



تعريف الإيمان


الإيمانُ في اللُّغةِ: بمعنى التَّصديقِ، وأصلُ الأمنِ: هو طُمَأنينةُ النَّفسِ وزوالُ الخَوفِ.


الإيمانُ في الاصطِلاح هو: التَّصديقُ الجازمُ بكلِّ ما أخبَرَ به اللهُ ورسولُهُ ﷺ مع الإقرارِ والطُّمأنينةِ، والقَبولُ والانقيادُ له.


قال ابنُ تَيميَّةَ: (... الإيمانُ وإن كان يتضمَّنُ التَّصديقَ فليس هو مجرَّدَ التَّصديقِ، وإنَّما هو الإقرارُ والطُّمأنينةُ؛ وذلك لأنَّ التَّصديقَ إنَّما يَعرِضُ للخَبَرِ فقط، فأمَّا الأمرُ فليس فيه تصديقٌ من حيثُ هو أمرٌ، وكلامُ الله خبرٌ وأمرٌ؛ فالخبَرُ يستوجِبُ تصديقَ المخبِرِ، والأمرُ يَستَوجِبُ الانقيادَ له والاستِسلامَ، وهو عملٌ في القَلبِ جِماعُه الخُضوعُ والانقيادُ للأمرِ، وإن لم يفعَلِ المأمورَ به، فإذا قوبل الخَبَرُ بالتَّصديقِ والأمرُ بالانقيادِ، فقد حصل أصلُ الإيمانِ في القلبِ، وهو الطُّمَأنينةُ والإقرارُ؛ فإنَّ اشتقاقَه من الأمنِ الذي هو القَرارُ والطُّمأنينةُ، وذلك إنَّما يحصُلُ إذا استقرَّ في القَلبِ التَّصديقُ والانقيادُ).


وقال ابنُ عُثيمين: (نقول: إنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ المستلزِمُ للقَبولِ وللانقيادِ؛ قَبولِ الخَبَرِ، والانقيادِ للأمْرِ والنَّهيِ، هذا هو الإيمانُ، وأمَّا مجرَّدُ أنَّ الإنسانَ يقولُ: أنا مؤمِنٌ بالله، وأنا أعترفُ بأنَّ اللهَ موجودٌ، وأنَّ له رسُلًا، لكِنَّه لا يَعمَلُ، فلا يَنَفعُه هذا الإيمانُ؛ فالإيمانُ الذي ينفع هو ما ذَكَرْتُ، وقد يُطلَقُ الإيمانُ لغةً على مجرَّد التَّصديقِ، ويقال: هذا مؤمِنٌ بشَيءٍ، لكِنَّه كافِرٌ بأشياءَ، فهذا ليس الإيمانَ الشَّرعيَّ).



تعريف التوحيد


التَّوحيدُ لُغةً: من الوَحْدةِ، وهي الانفِرادُ، ومعنى وحَّده توحيدًا، أي: جعَلَه واحدًا.


التَّوحيدُ اصطِلاحًا: إفرادُ اللهِ سُبحانَه بما يختصُّ به من الرُّبوبيَّةِ والألوهيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ.


قال ابنُ القَيِّم: (ليس التَّوحيدُ مجرَّدَ إقرارِ العَبدِ بأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللهُ، وأنَّ اللهَ ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، كما كان عبَّادُ الأصنامِ مُقرِّين بذلك وهم مُشرِكون، بل التَّوحيدُ يتضمَّنُ من محبَّة اللهِ، والخُضوعِ له، والذُّلِّ له، وكمالِ الانقيادِ لطاعتِه، وإخلاصِ العبادةِ له، وإرادةِ وَجْهِه الأعلى بجَميعِ الأقوالِ والأعمالِ، والمنعِ والعَطاءِ، والحبِّ والبُغضِ- ما يحولُ بين صاحِبِه وبين الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى المعاصي والإصرارِ عليها، ومَن عَرَف هذا عَرَف قولَ النبيِّ ﷺ: ((إنَّ اللهَ حرَّم على النَّارِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يبتغي بذلك وَجْهَ اللهِ))...


وما جاء من هذا الضَّربِ مِن الأحاديثِ التي أَشكَلت على كثيرٍ من النَّاسِ، حتى ظنَّها بعضُهم منسوخةً، وظنَّها بعضُهم قيلَت قَبلَ وُرودِ الأوامِرِ والنَّواهي واستِقرارِ الشَّرعِ، وحمَلَها بعضُهم على نارِ المشركينِ والكفَّارِ، وأوَّلَ بعضُهم الدُّخولَ بالخُلودِ، وقال: المعنى لا يدخُلُها خالدًا، ونحو ذلك من التَّأويلاتِ المُستَكرَهةِ. والشَّارعُ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- لم يجعَلْ ذلك حاصلًا بمجرَّدِ قَولِ اللِّسانِ فقط، فإنَّ هذا خلافُ المعلومِ بالاضطرارِ مِن دينِ الإسلامِ؛ فإنَّ المنافقينَ يقولونَها بألسِنَتِهم، وهم تحتَ الجاحِدينَ لها؛ في الدَّركِ الأسفَلِ من النَّارِ، فلا بدَّ من قَولِ القَلبِ، وقَولِ اللِّسانِ).




العلاقة بين العقيدة والإيمان والتوحيد


العَقيدةُ والإيمانُ والتَّوحيدُ: هي في الجُملةِ ألفاظٌ مُتقارِبةٌ عند أهل السُّنَّةِ، إلَّا أنَّهم قد يَذكُرون مَسائِلَ في كتُبِ العقائِدِ لا يَذكُرونَها في كُتُبِ التَّوحيدِ، وقد يحدُثُ العَكسُ، وكذلك الإيمانُ.


وقد يُفرَّقُ بين علمِ العَقيدةِ والتَّوحيدِ اصطِلاحًا باعتبارِ أنَّ عِلمَ التَّوحيدِ يُعنى بإثباتِ العَقيدةِ الصَّحيحةِ بأدلَّتِها الثَّابتةِ، وأنَّ عِلمَ العَقيدةِ يُعنى مع ذلك بردِّ الشُّبُهاتِ ومناقَشةِ الدِّيانات والفِرَق المخالِفةِ، فعليه تكونُ العَقيدة أعمَّ موضوعًا من التَّوحيدِ.


وقيل: العَقيدةُ أعمُّ، والتَّوحيدُ أخصُّ، فعلمُ التَّوحيدِ معناه: الإيمانُ بتفرُّدِ الرَّبِّ في رُبوبيَّتِه وإلهيَّتِه وأسمائِه وصِفاتِه، فيرجعُ عِلمُ التَّوحيدِ إلى الإيمانِ باللهِ، وأمَّا العَقيدةُ فتتعلَّقُ بالإيمانِ باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبهِ ورُسُلهِ واليَومِ الآخِرِ وبالقَدَرِ، وعلى ذلك فالعَقيدةُ تَشمَلُ كِلا الأمرَينِ؛ التَّوحيدَ والإيمانَ، فهي أعمُّ منهما.



أمَّا الفَرقُ بيْن التَّوحيدِ والإيمانِ؛ فالتَّوحيدُ هو: "إفرادُ اللهِ عزَّ وجلَّ بما يختصُّ به ويجِبُ له". والإيمانُ هو:"التَّصديقُ المتضمِّنُ للقَبولِ والإذعانِ"، وبينهما عمومٌ وخُصوصٌ؛ فكلُّ موحِّدٍ مؤمِنٌ، وكُلُّ مؤمِنٍ مُوحِّدٌ بالمعنى العامِّ، ولكِنْ أحيانًا يكونُ التَّوحيدُ أخصَّ من الإيمانِ، وأحيانًا يكونُ الإيمان أخَصَّ من التَّوحيدِ.







والحمد لله رب العالمين.



أحمد الأصلي
بواسطة : أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات